قرار شطب المرشحين يختلف عما سبقه في كل الانتخابات الماضية، فالشطب هذه المرة نتاج لجنة قضائية نحترمها ونحترم من خلفها كل أعضاء السلطة القضائية، وربما تكون مثل تلك الخطوة فرصة لإعادة النظر في شروط الترشح للانتخابات ليضاف لها شرط السمعة الحسنة، وليكن من ضمنها ضرورة الحصول على شهادة حسن سلوك وأخرى صحية!
من يفهم أن الديمقراطية هي الفوضى وليّ الأذرع مخطئ، ومن يعتقد أن الوصاية على المواطنين حق أيضا مخطئ، سواء أكان ذلك الحكومة أو خلافها، فالديمقراطية في كل دول العالم المتقدمة يجري ترتيبها لتنتج أفضل ما تستطيع العقول البشرية إنتاجه، إن على صعيد السياسة أو على صعيد الاقتصاد أو على صعيد الاجتماع وليس الأمر هكذا.
في الغرب حرصوا على أن يكون هناك حزبان أحدهما محافظ يضم كل تلك التكوينات المحافظة، وتترك قيادة ذلك الحزب للصراع الداخلي، فتارة يقود الحزب التيار اليميني في الشريحة المحافظة، وتارة أخرى تنتقل تلك القيادة لليسار المحافظ وفي أحيان ثالثة تكون القيادة من نصيب الوسط، وفي نقل الصراع إلى داخل الحزب المحافظ نختزل الكثير من الوقت والجهد.
كذلك حرص الغرب أن يكون الحزب الآخر ليبراليا منفتحا على كل تلك التيارات التي يضمها ذلك الفكر، على أن تترك قيادته لمن يفوز من تلك التيارات في إطار الصراع الحزبي الداخلي، فها هو اليمين يقود التيار الليبرالي، وها هو اليسار يقوده في مرحلة أخرى، وإذا عجز التياران عن القيادة يأتي الفكر الوسط ليقود ذلك الحزب.
الديمقراطية هناك صممت لتنتج، وتأتي في بوتقة واحدة مع كل مضامينها البشرية وتراثها القائم على المواطنة، وإطلاق العقل على مصراعيه ليصل بها إلى آخر نقطة في هذا العالم الممتد، وهي في نفس الوقت صنيعة حرية السوق، وهي في هذا الجو تختلف اختلافا جذريا عما يحدث في بلادنا، ففهمنا للديمقراطية يتفق تماما مع الفهم المتواضع لما يجري في الغرب.
لا يمكن أن تنتج الديمقراطية، وهناك من تدور حوله الشبهات المالية، عضوا من أعضائها، ولا يمكن أن تنتج الديمقراطية، وهناك من تدور حوله الشبهات العقلية، كما أنها لا يمكن أن تتحول إلى آلة إنتاج وأحد أعضائها كل تجربته السياسية أنه تخرج على يد الفرعيات، أو أنه استفاد من كونه إمام مسجد أو خطيبا، كما حدث في تجارب كثيرة.
الديمقراطية مشروع الهدف منه هو انتشال البلدان المتخلفة من هوة التخلف والرجعية إلى دول محترمة تكون فيها المواطنة هي المحور الذي يتكئ عليه الجميع، ويكون باب التنافس في السياسة والاقتصاد مفتوحا على مصراعيه، لا يحتكره أحد باسم الدين أو باسم القبيلة أو باسم الطائفة، كما أنها مشروع يحترم العقل ولا يربط ذلك الاحترام بالجنس والعرق واللون.
ما يجري تداوله الآن من أن هذا الشطب مشروع حكومي للإقصاء إنما هو في حقيقة الأمر تشكيك بقضائنا النزيه، وتشكيك بكل القيم الديمقراطية الصحيحة، وربما يوحي بأنه دفاع عن الاتجاه الخاطئ على صعيد السياسة والمال العام، بحجة أن هناك نوايا مستقبلية لدى الحكومة لشطب آخرين لها معهم خصومة.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق